تابع
((قيمنا وأخلاقنا الإسلامية ذروة ما تتطلع إليه الإنسانية</SPAN>))
الدكتور محمد حسن هيتو</SPAN>
وهذا الذوق السليم في العلم استمر لديهم حتى بعد أن انقسمت المملكة إلى ثلاثة أقسام ، حتى إن العباسيين في آسيا ، والفاطميين في مصر ، والأمويين في أسبانيا ، لم يكونوا متناظرين متغايرين على الحكومة فقط ، بل كانوا كذلك على ألآداب والعلوم أيضا .
ثم قال
ذاق العرب في الفنون الأدبية كل ما من شأنه أن يحد القريحة ، ويصقل الذهن ، وقد افتخروا فيما بعد بأنهم أنجبوا من الشعراء بقدر ما أنجبت منهم الأمم كلها .
أما في العلوم فقد كان تفوقهم فيها ناشئا من الأسلوب الذي توخوه في المباحث ...وهو الأسلوب التجريبي ، والدستور العلمي – الحسي ، وقد كانوا يعتبرون الهندسه ، والعلوم الرياضية أدوات ومعدات لعلم المنطق .
وقد يلاحظ المطالع لكتبهم العديدة على الميكانيكا ، وعلم موازنة السوائل وضغطها على جدران أوعيتها ن ونظريات الضوء والإبصار ، بأنهم قد اهتدوا إلى حلول مسائلهم من طريق التجربة ، والنظر بواسطة الآلات .
هذا هو الذي قاد العرب لأن يكونوا أول الواضعين لعلم الكيمياء ، والمكتشفين لجملة آلات التقطير والتصعيد ، والإسالة ، التصفية .
وهذا بعينه ايضا هو الذي جعلهم يستعملون في أبحاثهم الفلكية الآلات المدرجة ، والسطوح المعلمة ، والأسطرلابات .
وهو الذي بعثهم لاستخدام الميزان في العلوم الكيميائية .وهو أيضا أرشدهم لعمل الجداول عن الأوزان النوعية للأجسام ، والأزياج ( وهي جداول تعرل منها حركات الكواكب ) كالتي كانت في بغداد ، وقرطبة ، وسمرقنند ".
وهو أيضا الذي أوجب لهم الترقي الباهر في الهندسة ، وحساب المثلثات ، واكتشاف علم الحبر .
ولقد دأبوا على جمع الكتب بصفة منتظمة لأجل أن يتوصلوا إلى تكوين المكتبات، وفد قيل : إن المأمون نقل إلى بغداد مائة حمل بعير من الكتب ، وقد كان أحد شروط معاهدة الصلح بينه وبين الإمبراطور ميشيل الثالث أن يعطيه إحدى مكتبات القسطنطينية ، التي كان فيها بين ال1ذخائر الثمينة الأخرى كتاب بطليموس على الرياضيات السطوحية ، فأمر المأمون بترجمته إلى العربية وسماه ( المجسطي ) حتى إن مكتبة القاهرة كانت بها نحو مائة ألف كتاب ، معتنى بكتابتها وتجليدها غاية الاعتناء ، وكان يوجد من بين هذه الكتب ستة آلاف وخمسمائة مجلد في الطب والعلوم الفلكية فقط .
وكان بتلك المكتبة كرتان أرضيتان ، إحداهما من الفضة والأخرى من البرونز
وقد اشتملت مكتبة خلفاء الأندلس فيما بعد على ستمائة ألف مجلد ، وكان جدول أسمائها وحده محويا في أربعة وأربعين جزءا ، كما كان في الأندلس سبعون مكتبة عامة وكثير من المكتبات الخاصة
ثم قال :
لم يقف بحث العرب عند حد ، فقد كتبوا في كل فن وفي كل علم ...وكل هذه المؤلفات كانت تنشر بدون رقابة ولا حجر .
وقد كانت كتب العرب الزاخرة بالمعلومات التي تصلح لأن تتخذ مادة في العلوم كثيرة جدا ، في الجغرافيا ، والإحصاءات ، والطب ، والتاريخ ، وقواميس اللغة ، وكان لديهم دائرة معارف علمية .
وكان للعرب ذوق دقيق في صنع الزرق النظيف الناصغ البياض ، وفي إعطاء الحبر الألوان المختلفة ، وكان الملك الإسلامي العربي مملوءا بالمدارس والكليات
ثم قال :
ولقد اتبعت المدارس الطبية عامة مثال مدرسة الطب في القاهرة في اختيار الطلة قبل تخرجهم نهائيا ، بحيث لا يستطيع أحدهم أن يشتغل بمهنة الطب إلا بهذا الشرط .
وأول مدرسة انشئت من هذا القبيل في أوروبا هي المدرسة التي اسسها العرب في سالون في إيطاليا ، وأول مرصد أقيم فيها هو ما أقامه المسلمون في إشبيليا بأسبانيا
ثم قال :
ولو أردنا أن نستقصي كل نتائج هذه الحركة العلمية العظمى لخرجنا عن حدود هذا الكتاب , فإنهم قد زقوا العلوم القديمة ترقية كبيرة جدا ، وأوجدوا علوما أخرى لم تكن معروفة من قبلهم .
ثم عدد عشرات العلوم والنظريات العلمية التي استكبرها المسلمون واسسوها . مما يمكن الرجوع إليه في كتابه ، فلا نطيل به .
ويقول في المدينة الإسلامية :
كانت قرطبة تتألف من مائة ألف بيت ، ويسكنها مليون من النسمات ، ويكفي أن تعرف أن شارعها الأكبر كان بطول عشرة أميال ، يضاء ليلا للمارة بمصابيح كبيرة ، وذلك مشهد من مشاهد الحضارة لم تعرفه مدينة لندن إلا بعد ذلك العهد بسبعمائة عام ، وكانت طرقها مرصوفة بالأشجار ، في حين أن باريس طلت قرونا بعد حضارة العرب في الأندلس بركا للمياه والأوحال ، التي تغوص فيها الأرجل إلى الركب في فصل الشتاء ؟
ولم يقتصر الأمر على قرطبة ، بل إن غرناطه ، وإشبيليا ، وطليطلة ، كانت مدنا تعد اشباها لقرطبة ، ونظائر لها .
وكانت قصور الأمراء مثلا من الفخامة الشرقية ، بل كانت متاحف للفنون الرفيعة , وعنوانا على حضارة عريقة في حين أن المنازل التي سكنها أمراء ألمانيا وفرنسا وإنجلترا لم تكن تفضل حظائر الماشية في شيء ، فهي بلا مداخن ، ولا نوافذ ، وكان المخرج الوحيد الذي يسلم إلى فضاء الحو كوه من أعلى السقف يتصرف منها الدخان
ومن الأسف أن الأدب الأوروبي حاول أن ينسينا واجبنا العلمي نخو المسلمين ، فقد حان الوقت الذي ينبغي لنا أن نعرفهم ، وإن قلة الإنصاف المبنية على الأحقاد وعلى العنجهية القومية لا تدوم أبد الدهر .
ويقول المؤرخ جزستاف لوبون في كتابه 0 حضارة العرب )
إذا رجعنا إلى القرن التاسع والقرن العاشر من الميلاد ، حين كانت الحضاره الإسلامية في إسبانيا ساطعة جدا ، رأينا أن مراكز الثقافه في الغرب كانت أبراجا يسكنها ستيورات متوحشون يفخرون بأنهم لا يقرأون ، وأن أكثر رجال النصرانية معرفة كانوا من الرهبان المساكين الجاهلين ، الذين يقضون أوقاتهم في أديارهم ليكشطوا كتب الأقدمين النفيسة بخشوع ، وذلك كيما يكون عندهم الرقوق ما هو ضروري لنسخ كتب العبادة .
ودامت همجية أوربا زمنا طويلا من غير أن نشعر بها ، ولم يبد في أوربا بع الميل إلى العلم إلا في القرن الحادي عشر والثاني عشر من السلام ، وذلك حينما ظهر فيها أناس رأوا أن يرفعوا أكفاف الجهل الثقيل عنهم ، فولوا وجوههم شطر العرب الذين كانوا أئمة وحدهم
ثم قال في وصف العرب المسلمين وحضارتهم التي بهرت الأنظار :
العرب مع ولوعهم بالأبحاث المظرية ، لم يهملوا تطبيقها على الصنائع ، فقد أكسب علومهم الصنائغ جودة عالية جدا ، وأننا وأن كنا لم نزل نجهل أكثر الطرق التي سلكوها في ذلك ، إلا أننا نعرف نتائجها وآثارها .
فنعرف مثلا أنهم احتفروا المناجم ، واستخرجوا منها الكبريت ، والنخاس ، والزئبق ، والحديد ، والذهب .
وأنهم قد يرعوا جدا في صناعة الصباعة
وأنهم مهروا في سقي الفولاذ مهارة بعيدة المدى حتى إن صفائح طليطلة أصدق البراهين على ذلك ، ونعرف أيضا أنه كان لمنسوجاتهم ، وأسلحتهم ، ومدبوغاتهم من الجلود ، ولورقهم شهرة عامة .
وأنهم في كثير من فنون الصنائع برعوا براعة لم يلحق لهم شأو فيه للآن ...؟
ومن بين المكتشفات المعزوة للعرب أشياء ذات شأن كبير كالبازود مثلا
ثم قال بعد كلام طويل على المخترعات العربية :
مما مر يتجلى للقارئ أن ديوان المكتشفات العربية في الغلوم الطبيعية لا يقل في الخطورة والقدرة عما لهم منها في العلوم الرياضية والفلكية ، وذلك أنهم كانت لهم معلومات عالية في الطبيعة النظرية ، خصوصا في نظريات الضوء والإبصار .
وقد حفظ عنهم أنهم اخترعوا أجهزة من أدق ما يغرف من نوعها ، واكتشافهم للجواهر التي تعد من أعظم أركان علم الكيمياء ، مثل الكحول ، وحمض التتريك ، وحمض الكبريتيك ، وقد سجل لهم أكبر الأعمال الأساسية ، كالتقطير مثلا .
و أثر عنهم استخدام الكيمياء لفن الصيدلة . اهٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍـ .
و قد استطرد لوبون في كلامه على الحضارة الإسلامية و أثرها على الحضارة العالمية فليرجع إلى كتابه من يشاء ، فقد أفه لهذا الغرض.
و يقول ترند في مقالة (( إسبانيا و البرتغال )) : من الثابت أنه بينما كانت أغلب أوروبا ترزح تحت نير الشقاء و الفساد ، ماديا و روحيا ، أقام المسلمون في الأندلس حضارة زاهرة ، و حساة اقتصادية منظمة ، لعب فيها الأندلسيون دورا حاسما في تطور الفن ، و العلم ، و الفلسفة ، والشعر ، و أثرت حتى في أرفع أعلام الفكر النصراني للقرن الثالث عشر )) ... فكانت إسبانيا ] الإسلامية [
مشعل أوروبا . أ هـ .
ويقولون أيضا :
ولا يأتي للمرء معرفة التاثير العظيم الذي أثره العرب في الغرب إلا إذا تً,روا حالة أوروبا في الزمن الذي دخلت فيه الحضارة .
فإذا رجنا إلى القرنين التاسع و العاشر للميلاد ، يوم كانت المدينة الإسلامية في إسبانيا زاهرة باهرة ، نرى أن المراكز العلمية الوحيدة في عامة بلاد الغرب كانت عبارة عن أبراج يسكنها سادةنصف متوحشين ، يفاخرون بأنهم أميون ، لا يقرأون و لا يكتبون ، و كانت الطبقة الستنيرةعبارة عن رهبان فقراء يقضون الوقت بالتكسب في أديارتهم بنسخ كتب العلماء ، دون فهم أو اقتناع ، ليبتاعوا ورق البردي اللازم لنسخ كتب العبادة .
وطال عهد الجهالة في أوروبا ، و عم تأثيره ، بحيث لم تعد تشعر بتوحشها ، ولم يبد فيها بعض الميل إلا في نهايه القرن الحادي عشر ، وبعبارة أصح القرن الثاني عشر .
ولما شعرت بعض العقول المستنيرة بالحجة إلى نفض كفن الجهل الثقيل ، الذي ينوء الناس تحته ، طرقوا أبواب العرب يستهدونهم ما يحتاجون إليه ، لأنهم كانوا وحدهم سادة العلم في ذلك العهد .
ولم يدخل العلم أوروبا إبان الحروب الصليبية ، كما هو الرأي الشائع ، بل دخله بواسطة الأندلس ، وصقلية ، وإيطاليا. و عرف الغرب بترجمة كتب العرب عالما جديدا .
و قد عدد (( الكلرك )) في تاريخ الطب العربي ثلاثمئة كتاب نقلها الغرب إلى اللاتينية من العربية .
وما عرفت القرون الوسطى المدينة إلا بعد أن سرت إليهم من أشياع محمد صلى الله عليه و سلم .
وبعض هذه الترجمات لكتب القدماء التي فقد أصلها ، حفظت هذه الأسفار من الضياع ، فوصلت إلى العرب ، و إلى العرب وحدهم ، لا رهبان القرون الوسطى ، ممن كانوا يجهلون حتى اللغة اليونانية ، يرجع الفضل في معرفتها إليهم ، و العالم مدين لهم على وجه الدهر، لإنقاذهم هذا الكنز الثمين .
و قال أيضا :
و كلما تعمق المرء في دراسة المدينة العربية الإسلامية تجلت له أمور جديدة ، و اتسعت أمامه الآفاق ، و ثبت له أ، القرون الوسطى لم تعرف الأمم القديمة إلا بواسطة العرب ، وأن جامعات الغرب عاشت خمسمائة سنة تكتب للعرب خاصة ، وأن العرب هم الذين مدنوا أوروبا في المادة و العقل و الخلق ، و أن العرب و المسلمين أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين .
ويرة البعض أنه من العار أن تكون أوروبا مدينة في خروجها من دور الهمجية للمسلمين ، ولكن من الصعب أن يحجب مثل هذا العار الوهمي وجه الحقائق .
و على الجملة فإن التاريخ ما عرف فاتحا أعدل و لا أرحم من العرب .
و يقول بريغولت :
إن روجر بيكون درس اللغة العربية ، و العلوم العربية في مدرسة أكسفورد على خلفاء معملية العرب في الأندلس .
و ليس لروجر بيكون ، و لا لسميه الذي جاء بعده (( فرانسيس بيكون )) الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي ، فلم يكن (( بيكون )) إلا رسولا من رسل العلم ، و منهج الإسلامية إلى أوروبا المسيحية ، و هو لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه للغة العرب ، و علوم العرب ، هو الطريق الوحيد لمعرفة الحق . و قد كان منهج العرب التجريبي في عصر بيكون قد انتشر انتشارا واسعا ، و انكب الناس في لهفة على تحصيله في ربوع أوروبا(1) .
ويقول د. لويجي رينالي :
لقد اجتاح العالم الغربي حوالي ألف سنة ميلادية غزو إسلامي جديد ، كالسيل الجازف ، ولم يكن أي حاجز يقوي على صده .
ذلك الغزو الذي يحمل التهذيب العربي ، و المدينة الإسلامية .
فإن شعب الصحراء العظيم ظهر على وجه الأرض ، بعد سقوط المدينتين الرومانية و اليونانية
وتقبلو تحياتي</SPAN>
ابو طلال